فهم مراد الله وتحقيقه: اختيار منظومة معرفية مركزها الله

balance rocks

في رحلة الحياة، نواجه اختياراً جوهرياً يحدد مسار وجودنا: هل نتبنى منظومة معرفية مركزها الله، أم نختار منظومة تدور حول ذواتنا؟ السعي لفهم مراد الله وتحقيقه هو في جوهره اختيار واعٍ لتبني منظومة فكرية وحياتية محورها الخالق عز وجل.

لنتخيل أن الأفكار التي تدور في عقولنا لها مركز واحد تسعى لخدمته – هذا هو ما نسميه بالمنظومة المعرفية. عندما يكون هذا المركز هو الله سبحانه وتعالى، يتحول كل شيء في حياتنا إلى وسيلة لتحقيق ما يريده الله منا. في المقابل، عندما تكون النفس هي المركز، تصبح كل جوانب الحياة – بما فيها العبادات – مجرد وسائل لإرضاء الذات والشعور بالراحة الشخصية.

اختيار منظومة معرفية مركزها الله يعني أن يكون السؤال الدائم في تفكيرنا هو: “ماذا يريدني الله أن أفعل؟” سواء كان ذلك في مواقف الحياة اليومية، في العمل، في العلاقات الشخصية، أو في أي جانب من جوانب وجودنا. هذا النهج يحول حياتنا بأكملها إلى رحلة مستمرة من العبادة والتقرب إلى الله.

ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن مركزية الله ومركزية النفس ليستا حالتين منفصلتين تماماً، بل هما طرفان لطريق صاعد. في أسفل هذا الطريق تقع مركزية النفس، وفي أعلاه تكمن مركزية الله. هذا الفهم يكشف لنا حقيقة مهمة: إن لم نستحضر الوعي باستمرار ونسأل أنفسنا عما يريده الله منا، فإن جاذبية النفس ستسحبنا تلقائياً نحو مركزية الذات.

لذلك، فإن عيش حياة محورها الله يتطلب وعياً مستمراً وسعياً دؤوباً. إنه ليس أمراً يحدث بشكل تلقائي، بل يحتاج إلى جهد واعٍ ومستمر. علينا أن نتذكر دائماً أننا في رحلة صعود، نحاول فيها الارتقاء من مركزية النفس إلى مركزية الله.

ومع ذلك، فإن الوعي والسعي وحدهما لا يكفيان. قبل كل شيء، وفوق كل شيء، تأتي الاستعانة بالله. فعندما نتصل بقدرة الله ونضع أنفسنا تحت ظله، يتيسر كل عسير. هذا الاتصال الروحي مع الخالق هو ما يمنحنا القوة والإرادة للاستمرار في رحلتنا نحو فهم مراده وتحقيقه.

في النهاية، اختيار منظومة معرفية مركزها الله هو اختيار لحياة أكثر عمقاً ومعنى. إنه اختيار يحررنا من أسر الأنانية ويفتح أمامنا آفاقاً واسعة من الإمكانيات الروحية والعملية. وعلى الرغم من التحديات التي قد نواجهها في هذه الرحلة، فإن المكافأة تفوق كل تصور – إنها الرضا الإلهي والسعادة الحقيقية التي لا تأتي إلا من العيش وفق مراد الله.

لنتذكر دائماً أن هذا الاختيار ليس حدثاً لمرة واحدة، بل هو قرار نتخذه كل يوم، في كل موقف. إنه دعوة مستمرة للتأمل والتفكر، للسؤال والبحث، وفوق كل شيء، للتواصل المستمر مع الله. فلنجعل من حياتنا رحلة صعود دائمة نحو مركزية الله، مستعينين به، متوكلين عليه، ساعين لفهم مراده وتحقيقه في كل جانب من جوانب وجودنا.

انضم للقائمة البريدية واحصل على مواد تعليمية مجانا
Subscription Form

مقالات ذات صلة

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *